[الفلسطينية] ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر: (سيرة تاريخية) - ا)

ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر: (سيرة تاريخية) - (وثائق/فيديو) - (ناصر... مقاوماُ) - ا)


- (مبادئ ميثاق تحتاجها مصرُ وكلُّ العرب)
"..وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر"
ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر (15-1-1918)
image003.jpg@01D14EDC.7FF10A90
***
سيرة تاريخية للرئيس جمال عبد الناصر:
إعداد: د. هدى جمال عبد الناصر
 
====================================
وثائق/فيديو (يووتوب) عن جمال عبد الناصر:
عبدالناصر - سنوات التحدي والكبرياء - الجزء الأول:
 
عبدالناصر - سنوات التحدي والكبرياء - الجزء الثاني:
 
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر فى 23 يوليو 1970:
 
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر فى 23 نوفمبر 1967:
 
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر فى 3 مارس 1968 (بعد مظاهرات عمالية في حلوان وطلابية في جامعة القاهرة للمطالبة بالديمقراطية):
 
جمال عبد الناصر (وثائقى) - قناة روسيا اليوم:
 
حديث الرئيس جمال عبد الناصر باللغة الأنجليزية إلى "نيويورك تايمز":
 
======================================
في ميلاده الثامن والتسعين
ناصر... مقاوماُ
 
معن بشوّر*
14/1/2016
 
قلّما تختصر كلمة واحدة قائداً كبيراً بحجم جمال عبد الناصر ككلمة مقاوم... ذلك أن فكرة المقاومة سكنت الرجل الذي نحتفل اليوم بالذكرى 98 لميلاده، منذ أن كان طالباً يتظاهر ضدّ الاحتلال الإنكليزي في أربعينيات القرن الماضي، ثم عندما كان محاصراً في الفلوجة الفلسطينية في حرب العام 1948، حتى ارتقى شهيداً وهو يحاول إطفاء الحريق بين النظام الأردني والمقاومة الفلسطينية في أحداث أيلول 1970...
كان ناصر مقاوماً لتجزئة الأمّة بالوحدة، لافتاً منذ وقت طويل إلى الترابط بين الوحدة الوطنية والوحدة القومية، فالأولى تفتح الطريق للثانية، فيما الثانية تعزّز الأولى وتحميها...
وكان ناصر مقاوماً للاستعمار والصهيونية برفع رايات التحرير والاستقلال الوطني والقومي مدركاً أن التحرير ليس تحرير الأرض فقط بل تحرير الإرادة، وأن الاستقلال ليس علماً ونشيداً  فقط بل هو استقلال القرار والخيار...
وكان ناصر مقاوماً للظلم والاستغلال والاحتكار بالعدالة الاجتماعية التي ترفض أن تموت القلّة من التخمة، وأن تموت الأكثرية من الجوع...
وكان ناصر مقاوماً للتخلّف بالتنمية المستقلّة، وللجهل بالوعي والعلم، فمثلما أطلق ناصر الخطط الخمسية والمشاريع الكبرى التي كانت تسابق النمو السكاني المصري المتسارع، أطلق مشاريع وخطط التعليم الإلزامي وفتح أبواب الجامعات لأبناء مصر من كل الطبقات، وأقام المعاهد ومراكز البحث والتدريب للقضاء على الفجوة العلمية بين أمّتنا والعالم...
وكان ناصر مقاوماً لمحاولات فصل الأمّة عن تراثها الروحي العميق المتمثل بالإسلام، فأرسل المئات من بعثات الأزهر لتعليم أبناء آسيا وإفريقيا أصول الدين الحنيف، تماماً مثلما كان مدركاً لأهمية التنوع الديني في بلاده وأمّته، فطلب من أنجاله الصغار أن يتبرعوا بما جمعوه في حصالاتهم من أجل تشييد الكاتدرائية القبطية الكبرى في القاهرة...
كان ناصر مقاوماً لكل نزعة شوفينية أو عنصرية تلقي بظلالها على الحركة القومية العربية، فكان من أوائل الذين احتضنوا المطالب الشرعية للحركة الوطنية الكردية في شمال العراق، ومن أكثر المتفاعلين مع جماهير الأمازيغ في الجزائر إلى الدرجة أن صحافياً فرنسياً كان يتجول في جبال الأوراس فوجىء "بقبائلي" لا يعرف العربية يحمل راديو ترانزستور يستمع إلى خطاب يلقيه جمال عبد الناصر، فلما سأل الصحفي القبائلي الجزائري: أنت لا تعرف العربية... هل تفهم ما يقوله ناصر؟... أجابه المواطن الجزائري على الفور: نعم أفهمه بقلبي...
كان ناصر مقاوماً لكل تناحر بين أبناء الأمّة العربية، بل كان يسعى دوماً إلى إصلاح ذات البين في الصراعات البينية العربية، وهو سعي أدّى إلى استشهاده إثر قمة وقف القتال في الأردن بين النظام ومنظمة التحرير الفلسطينية (28/9/1970)، بعد أن رعى إنجاز اتفاق القاهرة بين هذه المنظمة والدولة اللبنانية (2 تشرين الثاني 1969)، إثر أزمة وزارية استمرت سبعة أشهر ورافقها توترات مسلحة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وحتى حين كان تفرض عليه شخصياً تسوية، خصوصاً مع هذا النظام أو ذاك، بما فيها حرب اليمن نفسها في أوائل الستينيات، لم يكن يغلق الباب أمام التسويات مع خصوم الأمس في إطار سياسة "وحدة الصف" بعد أن يكون قد سار لسنوات في سياسة "وحدة الهدف".
كان ناصر مقاوماً لكل محاولة لفرض الوحدة العربية بالقوة، رغم أن الوحدة العربية كانت أعظم أهدافه، فحال دون محاولات الزعيم عبد الكريم قاسم ضم الكويت بالقوة إلى العراق، بعد خروج القوات البريطانية منها عام 1960، كما أعاد القوات المصرية من سواحل سوريا بعد الانفصال في أيلول 1961، حقناً للدماء العربية...
كان ناصر مقاوماً لسياسات الهيمنة الاستعمارية على بلاده وعلى العالم من حوله، فلم يكتف بدعم كل حركات التحرر والاستقلال في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فحسب، بل سعى مع رهط من زعماء دول هذه القارات إلى إطلاق حركة عدم الانحياز التي شكّلت قطباً ثالثاً في عالم تسوده ثنائية قطبية وحرب باردة بين واشنطن وحلفائها من جهة وموسكو ومعسكرها من جهة ثانية....
لذلك لم تكن المقاومة عنده تكتيكاً يستخدمه في خدمة استراتيجيات، بقدر ما كانت استراتيجية لها تكتيكاتها في كل مجال من مجالات الحياة العربية...
ولأن ناصر كان مقاوماً عنيداً، تعرّض إلى حروب ومؤامرات لم تتوقف للقضاء عليه كعدو أول للصهيونية وللدول الاستعمارية، قديمها وجديدها، بدءاً من العدوان الثلاثي عام 1956، إلى الانفصال المشؤوم عام 1961، إلى حرب حزيران المأساوية عام 1967، لكنه كمقاوم كان يخرج من كل حرب على مصر والأمّة أكثر حرصاً على إزالة أثار الهزائم، مدركاً أن "الضربة التي لا تميتني تزيدني قوة".
ولأنه كان مقاوماً، كان شجاعاً في مراجعة تجربته وتحديد مكامن الخطأ والخلل دون تردّد، مدركاً أن مواجهة الأخطار العظيمة التي تواجهه لا تنجح إلاّ بالمراجعة الدائمة والجريئة لاداثه في الواقع الذي يتحرك فيه.
ولقد سمعت ككثيرين، من أبي عمار قائد المقاومة الفلسطينية ورمزها أنه حين التقى جمال عبد الناصر للمرة الأولى عام 1968، وبجهد كبير من الأستاذ محمد حسنين هيكل، بعد تشويش مارسته أجهزة وجهات متعدّدة بحق (فتح) بعد انطلاقتها في 1/1/1965، قال له القائد العربي الكبير: "لنتوزع الأدوار انتم تشاغلون العدو خلف خطوطه في الداخل الفلسطيني والجبهة الشرقية، وجيش مصر يرهقه على الجبهة المصرية بحرب الاستنزاف"، ومن ثم اصطحب "أبو خالد" "أبا عمار" وإخوانه (رحمهم الله) إلى موسكو في زيارة سرية وفّرت السند الدولي للثورة الفلسطينية.
ترى لو كان جمال عبد الناصر موجوداً اليوم هل كان يسمح أن يصدر عن جامعة الدول العربية بيان يعتبر فيه المقاومة اللبنانية إرهاباً، فيما لم تكلّف الجامعة نفسها حتى بذرف "دموع التماسيح" على شهداء الانتفاضة في فلسطين...
بل لو كان ناصر موجوداً هل كان يسمح أن يجري احتلال العراق "وشرعنة" مفاعيله فيما النظام الرسمي العربي، بأغلب أركانه، بين صامت أو متواطئ أو شريك في احتلال العراق، بل هل كان سمح بغير الحل العربي لسحب القوات العراقية من الكويت عام 1990، بل لو كان موجوداً هل سمح باستدعاء الناتو لتدمير ليبيا، أو باستباحة سوريا على مدى خمس سنوات، وكانت سوريا بالنسبة إليه الإقليم الشمالي في الجمهورية العربية المتحدة، وجيشها الجيش الأول الذي يشكّل مع الجيش المصري ركني الأمن القومي العربي، وهل كان يسمح بإغراق اليمن في حمى عدوان لا يرحم واحتراب لا يبقي ولا يذر... أو... أو...
بل لو كان عبد الناصر موجوداً، هل كان يسمح أن يُصوّر للأمّة عدو غير المشروع الصهيوني/الاستعماري، وأن تتحوّل علاقة الأمّة بدول جوارها الحضاري إلى علاقة عداء مستمر يغذّي كل النزاعات الطائفية والمذهبية والعنصرية، لقد اختلف ناصر كثيراً مع حكومة مندريس في تركيا، ومع حكم الشاه في إيران، لكنه لم يحوّل خلافه السياسي معهما يوماً إلى حملة عنصرية شوفينية ضدّ أمتين تجمعهما مع العرب روابط ومصالح عديدة ولكن على قاعدة واضحة "العربي عربي، والتركي تركي، والإيراني إيراني"...
الحديث إذن عن جمال عبد الناصر ليس مجرد حنين إلى ماض مشرق نعتزّ به كعرب أحسسنا معه بوحدتنا وكرامتنا، رغم كل الثغرات والأخطاء التي اعتورت نظامه، بل وأجهزته وبيروقراطية دولته، بل هو قراءة في حاضر ممزق في ظلّ تخلي الأمّة عن مبادئ حملتها مدرسة جمال عبد الناصر القومية العربية، كما هو استشراف لمستقبل نتطلع إليه وترتفع فيه رايات العروبة الديمقراطية، والاستقلال الحقيقي، وحرية الوطن والمواطن، والتنمية الاجتماعية على قاعدة الكفاية والعدل، والتجدّد الحضاري الضاربة جذوره في روح الأمّة ورسالتها الخالدة، والممتدة أغصانه إلى رحاب العصر والعالم.
------------------
*معن بشور: رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.
==============================================
مبادئ ميثاق تحتاجها مصرُ وكلُّ العرب
صبحي غندور*
 
منذ نصف قرن تقريباً، وفي يوم 21/5/1962، اجتمع أعضاء "المؤتمر الوطني للقوى الشعبية" المصرية الذي جرى انتخابه شعبياً خصّيصاً لهدف مناقشة مشروع "الميثاق الوطني" الذي تقدّم جمال عبد الناصر به. وقد خاطب عبد الناصر المؤتمر بالقول:
"النهارده بنبتدي مرحلة هامة وشاقة في كفاحنا من أجل تحقيق الأماني التي نتمناها، وأنتم بالذات نيابة عن القوى الشعبية التي انتخبتكم؛ أمامكم مسئولية كبيرة في هذه المناقشة الكبيرة والتي تبدأ اليوم، مشروع الميثاق طويل لسبب؛ وهو أني أردت أن أضع فيه حصيلة التجربة الوطنية، من الماضي اللى عشناه إلى المستقبل الذى نريده".
وقد تضمن "الميثاق الوطني" عشرة أبواب شملت نظرةً عامّة على جذور النضال المصري والظروف التي فرضت حدوث "ثورة 23 يوليو" ثم دروس النكسات التي عصفت في تجارب التغيير الوطني المصري، وصولاً إلى مفاهيم حول الديمقراطية السليمة وحتمية ارتباطها بالعدل الاجتماعي، ثمّ مشاكل الإنتاج وتطبيق التجربة الإشتراكية، وأخيراً عن الوحدة العربية والسياسة الخارجية في البابين التاسع والعاشر.
طبعاً، أوضاع وظروف كثيرة تغيّرت في مصر والعالم خلال العقود الخمسة الماضية، لكن هذه المتغيّرات كلّها لم تُضعِف من قيمة "الميثاق الوطني" وما ورد فيه من مبادئ عامّة تحتاجها الآن مصرُ وكلُّ العرب.  فصحيحٌ أنّ "الميثاق" كان يتعامل مع مرحلة جديدة دخلتها مصر عبد الناصر عقب انفصال سوريا عن "الجمهورية العربية المتحدة"، وبعد دخول المجتمع المصري في مرحلة "القوانين الإشتراكية"، وفي ظلّ أجواء "الحرب الباردة" التي كانت على أشدّها بين "المعسكر الغربي الرأسمالي" و"المعسكر الشرقي الإشتراكي"، لكن كان إعلان "الميثاق الوطني" محطّةً فكرية وسياسية هامّة في تاريخ "ثورة 23 يوليو" التي حصلت أصلاً في العام 1952 تحت شعارات "المبادئ الستّة" للثورة ، والتي لم يرافقها أي دليل عمل فكري وسياسي كالذي جاء لاحقاً في "الميثاق". لذلك قال عبد الناصر عنه بأنّه "حصيلة التجربة الوطنية"، وهو فعلاً كذلك بعد 10 أعوام على الثورة التي اعتمدت على أسلوب "التجربة والخطأ" بسبب غياب دليل العمل الفكري والسياسي.
الآن، مصر السياسية تولد من جديد بعد "ثورة 25 يناير 2011"، وبعد أربعة عقود من ابتعادها عن نهج "ثورة 23 يوليو"، وكأنّ "الميثاق الوطني" في العام 1962 كان في منتصف الطريق بين ولادة "ثورة يوليو 1952" وبين الانحراف بعد 10 سنواتٍ عنها في نهجٍ بدأه أنور السادات واستمرّ به وعمّقه حسني مبارك.
الآن أيضاً، نجد "ثورة 25 يناير" بلا دليل عملٍ فكري وسياسي يُرشد حركتها ومستقبلها. فهي الآن ثورةٌ تبحث عن هويّتها وعن القوى المخلصة لها والعاملة فعلاً من أجل تحقيق أهدافها. هي ثورةٌ يريدها البعض انقلاباً على حقبة "ثورة يوليو" وليس فقط على حكم الفساد والاستبداد والتبعيّة الذي ساد في مرحلة ما بعد جمال عبد الناصر.
إنّ "ثورة 25 يناير" بحاجةٍ ماسّة الآن إلى دليل فكري وسياسي يستفيد من تجربة "المؤتمر الوطني للقوى الشعبية المصرية" في العام 1962، ويستند إلى ما ورد فيه من مبادئ فكرية ما زالت صالحةً لمصر وللعرب في هذه المرحلة. وهذه فقراتٌ قصيرة ممّا ورد في "الميثاق الوطني"، وفيها دلالةٌ على الأهمّية:

        ... إنّ هذه الصور من الثورة الشاملة تكاد فى الواقع أن تكون سلسلة من الثورات، وفى المنطق التقليدي حتى لحركات ذات طابع ثوري سبقت فى التاريخ؛ فإن هذه الثورات كان لا بدّ لها أن تتمّ فى مراحل مستقلة، يستجمع الجهد الوطنى قواه بعد كل واحدة منها؛ ليواجه المرحلة التالية.. لكن العمل العظيم الذى تمكّن الشعب المصرى من إنجازه بالثورة الشاملة، ذات الاتجاهات المتعددة؛ يصنع حتى بمقاييس الثورات العالمية تجربةً ثورية جديدة.
إنّ هذا العمل العظيم تحقّق بفضل عدّة ضمانات تمكّن النضال الشعبي من توفيرها:
أولاً: إرادة تغيير ثوري ترفض أي قيد أو حد إلا حقوق الجماهير ومطالبها.
ثانياً: طليعة ثورية مكّنتها إرادة التغيير الثوري من سلطة الدولة؛ لتحويلها من خدمة المصالح القائمة إلى خدمة المصالح صاحبة الحق الطبيعي والشرعي، وهى مصالح الجماهير.
ثالثاً: وعى عميق بالتاريخ، وأثره على الإنسان المعاصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لقدرة هذا الإنسان بدوره على التأثير فى التاريخ.
رابعاً: فكر مفتوح لكل التجارب الإنسانية؛ يأخذ منها ويعطيها، لا يصدّها عنه بالتعصّب، ولا يصدّ نفسه عنها بالعقد.
خامساً: إيمان لا يتزعزع بالله وبرسله، ورسالاته القدسية التي بعثها بالحق والهدى إلى الإنسان فى كل زمان ومكان. وإن أعظم تقدير لنضال الشعب العربي فى مصر، ولتجربته الرائدة؛ هو الدور الذى استطاع أن يؤثّر به فى حياة أمّته العربية، وخارج حدود وطنه الصغير إلى آفاق وطنه الأكبر. إنّ تجربة الشعب المصرى أحدثت أصداءً بعيدة المدى فى نضال أمّته العربية..
.. إنّ الأصداء القوية التى أحدثتها ثورة الشعب المصري فى الأفق العربي كلّه.. عادت إليه مرّةً أخرى على شكل قوة محركة تدفع نشاطه، وتمنحه شباباً متجدداً. إنّ ذلك التفاعل المتبادل يؤكّد فى حدّ ذاته وحدة شعوب الأمّة العربية.
.. إنّ أصداء النصر الذى حقّقه الشعب العربي في مصر لم تقتصر على آفاق المنطقة العربية؛ وإنّما كانت للتجربة الجديدة الرائدة آثارها البعيدة على حركة التحرير فى إفريقيا، وفى آسيا، وفى أمريكا اللاتينية...
        ..إنّ الوحدة لا يمكن - بل ولا ينبغى - أن تكون فرضاً، فإن الأهداف العظيمة للأمم يجب أن تتكافأ أساليبها شرفاً مع غايتها، ومن ثمّ فإنّ القسر بأي وسيلة من الوسائل عمل ٌمضاد للوحدة، إنّه ليس عملاً غير أخلاقى فحسب؛ وإنّما هو خطرٌ على الوحدة الوطنية داخل كل شعب من الشعوب العربية، ومن ثم بالتالي فهو خطر على وحدة الأمّة العربية فى تطوّرها الشامل، وليست الوحدة العربية صورة دستورية واحدة لا مناص من تطبيقها، ولكن الوحدة العربية طريق طويل قد تتعدّد عليه الأشكال والمراحل وصولاً إلى هدفٍ أخير. إنّ أي حكومة وطنية فى العالم العربي تمثّل إرادة شعبها ونضاله فى إطار من الاستقلال الوطنى هى خطوةٌ نحو الوحدة، من حيث أنّها ترفع كل سبب للتناقض بينها وبين الآمال النهائية فى الوحدة. إن أي وحدة جزئية فى العالم العربى - تمثل إرادة شعبين أو أكثر من شعوب الأمّة العربية - هى خطوة وحدوية متقدّمة تُقرّب من يوم الوحدة الشاملة، وتمهّد لها وتمدّ جذورها فى أعماق الأرض العربية.
..إنّ الدعوة السلمية هى المقدّمة، والتطبيق العلمي لكل ما تضمنه الدعوة من مفاهيم تقدمية للوحدة، هى الخطوة الثانية للوصول إلى نتيجة محققة، إنّ استعجال مراحل التطور نحو الوحدة يترك من خلفه كما أثبتت التجارب فجوات اقتصادية واجتماعية تستغلها العناصر المعادية للوحدة كي تطعنها من الخلف.
..وإذا كانت الجامعة العربية غير قادرة على أن تحمل الشوط العربي إلى غايته العظيمة البعيدة، فإنّها تقدر على السير به خطوات. إنّ الشعوب تريد أملها كاملاً، والجامعة العربية بحكم كونها جامعة للحكومات لا تقدر أن تصل إلى أبعد من الممكن؛ إنّ الممكن خطوة فى طريق المطلوب الشامل. إنّ تحقيق الجزء مساهمةٌ فى تقريب يوم الكل، لهذا فإن الجامعة العربية تستحق كل التأييد، على ألا يكون هناك تحت أي ظرف من الظروف وهم تحميلها أكثر من طاقتها العملية التى تحدّها ظروف قيامها وطبيعتها. إن الجامعة العربية قادرة على تنسيق ألوان ضرورية من النشاط العربي فى المرحلة الحاضرة، لكنّها فى نفس الوقت، تحت أي ستار وفى مواجهة أي ادعاء، لا يجب أن تٌتَّخذ وسيلة لتجميد الحاضر كله وضرب المستقبل به..
..إنّ شعبنا يمدّ نواياه المعززة بالأعمال لتحقيق التعاون الدولي عبر كل المحيطات وإلى كل الأقطار، وإذا كان شعبنا يؤمن بوحدة عربية، فهو يؤمن بجامعة إفريقية ويؤمن بتضامن آسيوي - إفريقي، ويؤمن بتجمّع من أجل السلام يضمّ جهود الذين ترتبط مصالحهم به، ويؤمن برباط روحي وثيق يشدّه إلى العالم الإسلامي، ويؤمن بانتمائه إلى الأمم المتحدة وبولائه لميثاقها، الذى استخلصته آلام الشعوب فى محنة حربين عالميتين، تخلّلتهما فترةٌ من الهدنة المسلحة.
         إنّ الإيمان بهذا كلِّه لا يتعارض مع بعضه ولا يتصادم، وإنّما حلقات سلسلة واحدة. إنّ شعبنا شعبٌ عربيٌّ ومصيره يرتبط بوحدة مصير الأمّة العربية. إنّ شعبنا يعيش على الباب الشمالي الشرقي لإفريقيا المناضلة، وهو لا يستطيع أن يعيش فى عزلة عن تطوّرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. إنّ شعبنا ينتمي إلى القارّتين اللتين تدور فيهما الآن أعظم معارك التحرير الوطنى، وهو أبرز سمات القرن العشرين.
         إنّ شعبنا يعتقد فى السلام كمبدأ، ويعتقد فيه كضرورة حيوية؛ ومن ثمّ لا يتوانى للعمل من أجله، مع جميع الذين يشاركونه نفس الاعتقاد.
         إنّ شعبنا يعتقد فى رسالة الأديان وهو يعيش فى المنطقة التى هبطت عليها رسالات السماء. إنّ شعبنا يعيش ويناضل من أجل المبادئ الإنسانية السامية التى كتبتها الشعوب بدمائها فى ميثاق الأمم المتحدة، إنّ فقراتٍ كثيرة فى هذا الميثاق قد كُتبت بدماء شعبنا، ودماء غيره من الشعوب.
         إنّ شعبنا قد عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق.. بالكفاية والعدل.. بالمحبة والسلام. وإنّ شعبنا يملك من إيمانه بالله، وإيمانه بنفسه ما يمكّنه من فرض إرادته على الحياة ليصوغها من جديد وفق أمانيه.
***
أيضاً، قال جمال عبد الناصر في الباب الأوّل من "الميثاق الوطني"، الذي قدّمه في أيار/مايو 1962 للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية:
"إنّ قوّة الإرادة الثورية لدى الشعب المصري تظهر في أبعادها الحقيقية الهائلة إذا ما ذكرنا أنّ هذا الشعب البطل بدأ زحفه الثوري من غير تنظيم ثوري سياسي يواجه مشاكل المعركة، كذلك فإنّ هذا الزحف الثوري بدأ من غير نظريةٍ كاملة للتغيير الثوري. إنّ إرادة الثورة في تلك الظروف الحافلة لم تكن تملك من دليلٍ للعمل غير المبادئ الستّة المشهورة".
وما قاله "الميثاق الوطني" عن كيف أنّ الثورة بدأت دون "تنظيم سياسي ثوري" ودون "نظرية سياسية ثورية"، يوجِد تفسيراً لما وصلت إليه مصر والأمَّة العربية بعد وفاة جمال عبد الناصر، حيث فقدت الجماهير العربية اتصالها مع القائد بوفاته، ولم تكن هناك بعده أداة سياسية سليمة تحفظ للجماهير دورها السليم في العمل والرقابة والتغيير. أيضاً، مع غياب ناصر/القيادة، وغياب البناء السياسي السليم، أصبح سهلاً الانحراف في مصر عن المبادئ، والتنازل عن المنطلقات، والتراجع عن الأهداف.
اليوم، مصر والأمَّة العربية بحاجةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى دليل فكري نهضوي إصلاحي، لا يقلّل من شأنه سلامة أسلوب الحراك الذي اعتمده شباب مصر في إطلاق "ثورة يناير". لكن في كل حركة تغيير هناك حاجة لعناصر ثلاثة متلازمة من المهمّ تحديدها وتوفّرها معاً: القيادة، الأهداف، والأسلوب. فلا يمكن لأي غاية أو هدف أن يتحقّقا بمعزل عن هذا التّلازم بين الرّكائز الثلاث. فتوفّر الأسلوب السليم لحركات التغيير الشبابية يعزّز الحاجة لضمانات فكرية ومؤسساتية تحقّق الأهداف وتمنع التشويه والانحراف والاستغلال. فهي فرصةٌ هامّة، بل هي مسؤوليّةٌ واجبة، للجيل العربي الجديد المعاصر الآن، أن يدرس ماضي أوطانه وأمّته بموضوعيّة وتجرّد، وأن يستخلص الدروس والعبر لبناء مستقبل جديد أفضل له وللأجيال القادمة.
  *مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
تقديم الميثاق الوطنى من جامعة القاهرة (بالنص وبصوت جمال عبد الناصر):
==========================================================
 Al-Hewar Center
The Center for Arab Culture and Dialogue
Founded in 1994
مركز الحوار العربي
تأسس في العام 1994
MAILING ADDRESS: P.O. Box 2104, Vienna, Virginia 22180 - U.S.A.
****
لمزيد من المعلومات عن مركز الحوار
***
يمكنكم الاشتراك في المركز بواسطة بطاقات الأئتمان عبر خدمة PAYPAL   على شبكة الأنترنت وذلك على الموقع التالي:
أو يمكنكم إرسال الإشتراك في البريد من خلال هذه القسيمة:
AL-HEWAR  CENTER   : الرجاء كتابة الشيك باسم
وإرسال القسيمة مع الشيك (مسحوباً على مصرف أميركي) بواسطة البريد إلى العنوان التالي:
AL-HEWAR, P.O. BOX:  2104, VIENNA, VA  22180, U.S.A.
***
Calendar of Upcoming Eventsأنشطة قادمة
Please check back frequently for schedule updates...
Previous Events Hosted by Al-Hewar Centerلائحة الندوات السابقة
 ***
شاهدوا مقتطفات فيديو لبعض ندوات "مركز الحوار العربي" ومجموعة من البرامج الاخبارية الحوارية:
__________________________________________________________________
Questions and comments may be sent to alhewar@alhewar.com
If you wish to be removed from our mailing list, please reply to this e-mail and type "Remove" in the subject box



Avast logo
This email has been checked for viruses by Avast antivirus software.
www.avast.com




شكرا لكم :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البوابة العربية الالكترونية خدمات الأعمال للقطاع التجاري والقطاع الخاص كوسيلة للتسهيل على الشركات المستثمرة في الحصول على كافة الإجراءات اللازمة لها.

ennass.com

جميع الحقوق محفوظة :uNrWa