/ إبراهيم أبراش
حركة فتح والانتخابات والمسؤولية الوطنية
ثار جدل داخل حركة فتح وعند كثير من الوطنيين الغيورين على المصلحة الوطنية حول صحة إجراء الانتخابات المحلية خارج إطار المصالحة الوطنية وبدون التوصل لتفاهمات حول الاستراتيجية الوطنية للمرحلة القادمة ، وعدم التزام كل القوى السياسية بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني في مواعيد محددة كما نصت على ذلك وثيقة المصالحة ، خصوصا مع استمرار الانقسام وثبات حركة حماس على مواقفها من حيث التموقع كمشروع بديل للمشروع الوطني ، أيضا قدرة إسرائيل وأطراف عربية وإقليمية على توجيه الانتخابات لخدمة مصالحها وبما يتعارض مع المصلحة الوطنية .
نتفهم نوايا المتحمسين لإجراء الانتخابات الذين يتطلعون لتحريك المياه الأسنة بأي شكل من الأشكال ولو على مستوى المراهنة على تحسين عمل البلديات ، ورؤيتهم أن الانتخابات استحقاق ديمقراطي ودستوري يجب الالتزام به ، وندرك موقف البعض الآخر في المستويات العليا الذين ما زالوا يراهنون بأن مشاركة حركة حماس وقوى اليسار الخمس بالانتخابات سيؤدي لاستيعابهم في النظام السياسي الرسمي والخضوع لآلياته ومرجعياته ، وهو هدف مبيَّت منذ سنوات ، هذا بالإضافة إلى الضغوط الخارجية لإجراء الانتخابات وخصوصا من الجهات المانحة ومن مهندسي شرعنة الانقسام وقيام دولة غزة .
ولكن الحسابات الوطنية في التعامل مع الانتخابات تختلف عن الحسابات الحزبية وحسابات شخصية وفئوية داخل كل حزب ، أيضا تختلف عن حسابات الجهات الخارجية ، كما أن انتخابات محلية في ظل الانقسام ستتجاوز كونها انتخابات لمجلس خدماتية ، من هنا لم نخف قلقنا من الانتخابات بل وتمنينا على الرئيس تأجيلها .
الأمر لا يتعلق برفضنا للديمقراطية أو بتعصب حزبي أو الخوف من هزيمة حركة فتح ، فحركة فتح قادرة على لملمة صفوفها في المنعطفات المصيرية ، بل الخوف على المشروع الوطني ، والخوف على ما تبقى من أمل باستمرار التواصل بين الضفة وغزة ووحدة الشعب ، والخوف من تكريس الانتخابات للانقسام وإثارة الفتنة ، وخصوصا أن ممارسات حركة حماس وخطابها التحريضي التكفيري والتخويني ، حتى قبل أن تبدأ مرحلة الدعاية الانتخابية ، يثير القلق بل الشك بإيمانها بالشراكة السياسية من بوابة الانتخابات .
حركة فتح ليست حزبا كبقية الاحزاب بل هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسِسة وعنوان المشروع الوطني ومحل رهان الشعب لقيادة المرحلة القادمة وإقالة النظام السياسي من عثرته ، وبالتالي دخولها بأية انتخابات يختلف عن الأحزاب الأخرى . الأحزاب تشارك في الانتخابات بحسابات حزبية لتفوز بمقاعد في البلديات أو التشريعي ، أما حركة فتح وإن كانت تسعى لحصد أكبر عدد من الأصوات والمقاعد إلا أنها فوق ذلك تدافع عن المشروع الوطني الفلسطيني وعن الهوية والثقافة الوطنية وعن قيادتها للشعب الفلسطيني من خلال قيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية .
في حالة فوز حركة فتح بأغلبية البلديات فإن ذلك يعطي مؤشر على تراجع شعبية حركة حماس ، ولكنه لن يؤثر على واقع الانقسام . أما إذا فشلت حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ، أو لم يحصلوا على ما يتناسب مع تاريخهم ومع صفتهم التمثيلية ، فبالإضافة إلى تكريسه للانقسام فإن دلالته السياسية أكبر من ذلك حيث لن يُقال إن الحكومة فشلت أو فشل هذا الحزب أو ذاك أو هذا الشخص أو ذاك ، بل سيتم تفسير الهزيمة بأنها هزيمة لحركة فتح ومنظمة التحرير وكل القائلين بالمشروع الوطني ، وسترتفع الأصوات التي تطالب بخروجهم من المشهد السياسي ، ليتسيد مكانهم نخبة المصالح والارتباطات المشبوهة ومشروع حماس (الإسلامي) ! .
إن نجاح حركة فتح أو خسارتها في الانتخابات له تأثير استراتيجي على مجمل المشروع الوطني ، أما الأحزاب الأخرى فإن نجاحها أو فشلها لا يؤثر إلا على الحزب نفسه . حركة فتح قائدة المشروع الوطني والعمود الفقري لمنظمة التحرير هي التي ستتحمل نتائج الانتخابات وليس الحكومة أو النخبة المهيمنة على القرار الوطني .
واقعنا الفلسطيني اليوم ، في ظل أوضاع عربية وإقليمية تنهار فيها الهويات وتتفكك الأوطان ، مع تربص إسرائيل بحركة فتح وسعيها لإخراجها من ساحة الفعل والتأثير لكونها عنوان المشروع الوطني والدولة ، وفشل حركة حماس في سياساتها الداخلية والخارجية ، كل ذلك يلقي مسؤولية كبيرة على حركة فتح و يؤكد على أهمية وضرورة حركة فتح وأن دعمها في أي انتخابات يصبح واجبا وطنيا ، ما دامت القيادة مصرة على إجرائها ، وما دامت غالبية الأحزاب متوافقة على إجرائها ، كل منها لحسابات خاصة بها .
ولكن ...
نتمنى على الاخوة في حركة فتح إدراك هذه الأهمية لحركة فتح وخطورة المرحلة المقبلة ، وإن كانت موافقة حركة حماس على الانتخابات شكلت مفاجأة أربكت الحكومة وحركة فتح ، فإن سلوك تنظيم فتح بعد الإعلان عن موعد الانتخابات يشير وكأن تنظيم فتح تفاجأ أيضا من إعلان الحكومة عن موعد الانتخابات . الأمر الذي يطرح تساؤلات عن دور حركة فتح في قرار إجراء الانتخابات المحلية الآن ، وهل هي صاحبة القرار أم أنها مجرد شاهد زور ومسَدِد فواتير لقرارات تتخذها نخبة من خارج المدرسة الوطنية والمشروع الوطني ؟ .
لا عذر لمن يقول بأنهم تفاجئوا بموافقة حركة حماس على المشاركة في الانتخابات ، فهذا تفكير يفتقر للحنكة السياسية والجهل بكيفية تفكير حركة حماس وبما يحاك ويُخطط لفلسطين والمنطقة . وإن كانوا تفاجئوا بموافقة حركة حماس على إجراء انتخابات محلية فماذا سيكون الحال لو وافقت حركة حماس على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية الآن ؟ ،وإن كان المصرون على إجراء الانتخابات المحلية يتكئون على أنها استحقاق ديمقراطي ودستوري فالانتخابات التشريعية والرئاسية أيضا استحقاق ديمقراطي ودستوري ؟! .
أما إذا كانت حركة فتح تعرف بأنها مقبلة على انتخابات محلية ، فلماذا لم تستعد لذلك من خلال توحيد صفوفها واستكمال انتخابات الأقاليم وعقد مؤتمرها السابع ؟ , يبدو أن البعض يراهن بأن انخفاض شعبية حركة حماس ، وخصوصا في قطاع غزة ، وفشلها في سياساتها الداخلية والخارجية سيمنح فوزا مضمونا لحركة فتح ، إلا أن هؤلاء يتجاهلون التباس الوضع في الضفة الغربية وتأثير المال السياسي و مشاركة قوى غير فتح وحماس في الانتخابات ، مما يتطلب الحذر من المفاجآت ، وقت الانتخابات أو قبلها .
للأسف البعض في حركة فتح ينظر للانتخابات وكأنها منافسة حزبية روتينية أو مجرد صراع لكسب أكبر عدد من البلديات التي يقتصر عملها على تقديم الخدمات للجمهور دون إدراك الأبعاد الاستراتيجية لمشاركة حركة فتح والأبعاد السياسية للنسبة التي تحصل عليها من الأصوات. وفي هذا السياق لا نعرف الحكمة من وراء تسريب أخبار عن فصل أربعة من قيادات فتح المحسوبين على محمد دحلان في هذا الوقت بالذات ، بعد أيام من إعلان دحلان أنه سيدعم قوائم حركة فتح . فحتى وإن كانت صيغة إعلان دحلان عن دعمه لقوائم فتح جاءت مشروطة ، وحتى وإن كانت الثقة منعدمة بدحلان ، فهل كان من الضروري والمُلح أن يتم الإعلان عن فصل أشخاص محسوبين عليه ، ومنهم أعضاء في التشريعي ، في هذا الوقت بالذات ؟ وما يضير لو تم تأجيل الفصل إلى ما بعد الانتخابات ؟.
نخشى أن البعض ممن تسللوا لمركز القرار في السلطة الوطنية غير معنيين بفوز حركة فتح بالانتخابات وينفذون اجندة خارجية تخطط لتكريس الانقسام من بوابة الانتخابات ، تمهيدا لإدارته ما بينهم وبين حركة حماس في إطار معادلة سياسية إقليمية قادمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق